إن الثورة لا تزني كان بيت شعر لشاعر عماني زار تونس مرة ذات شتاء تغنى بالثورة و بجيفارا و كاسترو لم تحفظ ذاكرتي سوى أن الثورة لا تزنى .
نعم كان لي شبه إعتقاد بأن الثورة حرة تجوع و لا تأكل بثدييها بمعنى آخر أنها لا تهب نفسها و انتصارها لأشباه الرجال و أصحاب أنصاف المواقف و لمن يتنعم بالظلام و يخاف النور .
نعم الثورة نقية ... طاهرة كطهر الأطفال لا مجال أن يتمسح بها الأشرار و الشرور لأنها سليلة العظماء والشجعان و لأنها صوت المظلوم و المحروم و إن نطق المظلوم فسيكون صوته هدارا قويا يزيح كل العقبات .
هكذا تبينت ملامح الثورة في أوائل جانفي 2011 بعد أن انتفض البؤساء و المحرومين في تالة الأبية التي حصدت أكثر نسبة من أرواح الشهداء بعد أن هتفت احدى الحرائر بالقصرين بالثأر و الانتقام لروح ابنها الشهيد بتقديمها بقية إخوته للمعركة .. كان مشهدا غائبا في تونس لم تعشه منذ زمن خلى ربما كنا نسمع به في سيرة القبائل و العروشية ولكن ها أنك تعيشه اليوم في القرن الواحد و العشرين.
كان إلتحام الشعب ووحدته يسيل حبر كل الشعراء و الكتاب و يسيل دمع كل التونسيين في مواجهة أخطار ما بعد رحيل الرئيس السابق من قناصة و عصابات نهب و ترويع مما خلق إعادة تشكيل الذات و الهوية التونسية من أول وجديد دون شرطة ووحدات الأمن تبينت الهوية التونسية بتلقائية مفرطة في ظل تباين مذاهب المواطنين الفكرية و الجهوية إلا أنها لم تكن إلا هوية تونسية مئة بالمئة رغم كم الإختلاف الفكري ولكنهم هم بأنفسهم لكن هؤلاء المختلفون أنفسهم عملوا على نقل ا لشوارع إلى دواخلهم و تسييجها من أعمال التخريب و السرقة ووجدوا في بعضهم ملاذا آمنا في التصدي لكل من يريد الأذى لعائلاتهم وبيوتهم.
خرجت الثورة من منطقها الثوري و الإنساني و الوطني البحت ثورة التونسيين كل التونسيين بكل مذاهبهم و أعراقهم و أطيافهم وجنسهم بعد أن عاد جمع من مناضلي الخارج مناضلي الفضائيات و تجار شنطة الاورو و الدولار وسماسرة حقوق الإنسان وفجأة أصبح كل هؤلاء أبطال الثورة المجيدة كلهم ذاقوا ألوان العذاب و الهوان و لكن ألم يتساءل أحدهم هل عاش مأساة حرة القصرين التي هددت أنها لن تبخل باربعة من أولادها من أجل أن تأخذ بثأر شهيدها ...؟؟؟ هل عايشوا مناضلي مدريد و لندن و باريس فقر أهالي تالة و الر قاب و منزل بوزيان وحي التضامن و المنيهلة ونعسان و شبدة ؟؟؟ و هل عايشوا أيضا بطالة و حرمان أصحاب الشهائد الذي يستشهدون ألف مرة بنار بطالتهم ؟
كل أصبح حامي الحمى صاحب الحق في ثورة تونس و ثروتها أيضا و الله أعلم كم غنموا بأصواتهم العالية بعد الانقضاض على السلطة ؟ وكلهم استرخصوا ثورة و صوت المهمشين و المفقرين من أبناء شعبنا ...وكل أبناء الشوارع الخلفية الذين هتفوا بالحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية ولم يهتفوا مطلقا بحور العين و جنان الفردوس كلهم لم يجدوا القوت في بيوتهم خرجوا وأشهروا أصواتهم في وجه الظلم و الفقر لا في وجه الفسق و الكفر لأن الجوع كافر و الفقر كافر و التحايل و غلاء المعيشة أشياء كافرة أيضا في أنظار شعبنا الأبي خاصة شعب ماوراء البلايك الذي تناسوا وجوده في تونس .
كان التونسي المسكين يظن أنه بثورته هذه تخلص من أوثان الفقر و البؤس وكان يظن أن من يعرف الرب حق معرفته و يعبده حق عبادته لن يكذب و لن يبخل بقليل من الزاد على الجائعين و ما أكثرهم في بلدي ... و كان يظن التونسي أن لا شيء يفرقه عن أخيه التونسي إلا خيانة البلد بتآمره مع جهات خارجية و ما عدا ذلك فاليد في اليد من أجل تونس .. و لكن صارت الفكرة تفرق و تعنف و تكفر و تقصي المختلف عنها صارت الفكرة طوطما في يد كل جماعة يقدس و يقدم له كل فروض الولاء و الطاعة و ربما القرابين البشرية إن تطلب الأمر هذا .
أعود الى نقطة البداية و أقول أن الثورة لاتزني لا إنها تزنى... للأسف لأنها فرقت بين أبناء الشعب الواحد و كفرت المسلمين و فرضت وصاية ورقابة على حريات البعض و تركت العنان لبعض المتشددين بأن يعيثوا في الأرض فسادا و تناسوا أن الله لا يحب المفسدين...
إن الثورة زانية لا جدال في هذا لأنها خلقت الوسيط بين الرب و العبد و من لايتبع ملتهم فهو كافر و خارج من رحمتهم و خارج عن سلطانهم و لهم كل الحق في ان يكفر حسب شرائعهم ...
إن الثورة زانية لأنها فرقت وحطمت وحدة التونسي وتركت جوهرها الحقيقي العدالة الإجتماعية لتلبس ثوب الدين و الجنة والنار ومسكين هذا الشعب الذي يعيش نار الفقر في الدنيا و نار الحجيم في الاخرة حسب فتاويهم لأنه لن يرضى بحكم من يفرق بين التونسي و أخيه بين أبناء الوطن الواحد مرة بأسباب دينية و مرة بأسباب الحداثة و التقدمية كلهم سيلتفون إلى مصلحة الوطن الواحد بعيدا عن أجندات الخارج سواء كانت عربية أو أمريكية.
خولة الفرشيشي