الإهداء إلى صديقي معتقل الرأي رائف بدوي بالسجون السعودية
من تمنطق فقد تزندق عبارة شهيرة للإمام الغزالي تحيلنا
على أنّ محاولة النقد وإعادة القراءة في النص الديني هي محاولة كفر وخروج عن الدين .
عرفنا مفهوم الزندقة في أولى تجارب صدر الإسلام حيث أطلق على من حارب
الدولة العباسية أو عارضها بالزنادقة ثم إتخذت هذه التسمية أبعادا أخرى لترتبط
بالإلحاد والكفر أو بأصحاب البدع كالشعراء الذين عرفوا المجون والسكر والعربدة أو
بالمفكرين الذين ناهضوا الفكر الجامد وحاولوا تطويره .
قتل الكثير بتهمة الزندقة .. تهمة زئبقية تقطع رأسا
لأنّها فكرت وجاهرت برأيها , وقد عرف التاريخ العربي الإسلامي ديوانا للزنادقة خصص
لملاحقة كلّ زنديق إن لم يتب وتراجع عن أفكاره وقد أسسه الخليفة الخلفاء العباسيين المهدي( 746-
785) وقد قتل على يد الخليفة المهدي الشاعر الكبير بشار بن برد بتهمة
الزندقة بعد مجاهرته بكثير من الآراء التي تخالف السنة مما أثبت عليه التهمة فقتل
علنا والحقيقة أن مقتل بشار بن برد كان من أجل موقف سياسي هجا في أحد قصائده يعقوب
بن داود وزير المهدي فدبر له مكيدة قتله بتهمة الكفر والزندقة .
هذا وقد قتل عبد الله بن المفقع أشهر المفكرين في العهد العباسي
على يد والد المهدي الخليفة المنصور بنفس التهمة الزندقة ويقال أن كتابه الأمان هو
سبب مقتله .
عرفت الدولة العباسية ما يشبه محاكم التفتيش في شأن ملاحقة
الزنادقة وقتلهم وإحراق كتبهم خاصة في السنوات 163 هـ إلى سنة 170 هــ اخر سنوات
الخليفة المهدي الذي ترك وصية من بعده لابنه "موسى الهادي" تحثّ
على التنكيل بهم وقتلهم مؤكدا على شرعية ما فعله وما سيفعله إبنه في المستقبل فهم
خطر على الإسلام والأخلاق .
بعد ديوان الزنادقة في صدر الإسلام رمي بعض المثقفين العرب
بتهمة الزندقة في السنوات الماضية كالروائي نجيب محفوظ والمفكر الجزائري محمد
أركون والشاعر السوري أدونيس والمفكر المصري حسن حنفي وغيرهم وقد حرض ضدّهم
الأصوليين لقتلهم بعد تكفيرهم وإتهامهم بالزندقة والتحريض ضدّ الإسلام وتشويهه .
في هذا الإطار
نستحضر حادثة مقتل المفكر المصري فرج فودة بعد تكفيره الذي تعتبر وجها من أوجه
تعريف الزندقة : اغتيل فرج فودة على يد أحد المتطرفين الإسلاميين بعد
تحريض جبهة علماء الازهر ضده و اتهامه بالردة و وجوب قتله في بيان لها في جريدة
النور سنة 1992 و قد كان الشيخ عمر عبد الرحمن صاحب فتوى القتل و يوم 8 جوان 1992
قتل فرج فودة على يد قاتله الذي سأله القاضي أثناء المحاكمة لماذا قتلته
فأجاب لأنّه كافر فأعاد القاضي سؤاله من أيّ كتاب عرفت أنّه كافر ليجيب القاتل من
جديد أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة .
في سنة 2013 سمعنا بحالات إتهمت بالزندقة التي
إتخذت مفهوما جديدا الإساءة للدين الإسلامي كالتهمة التي وجهت لرائف بدوي أحد
معتقلي الرأي بالسجون السعودية وأحد المؤسسين "موقع ليبراليون سعوديون"
والذي هاجم رائف بدوي في أحد مقالاته المؤسسة السلفية هيئة الأمر بالمعروف
النهي على المنكر بشكل لم تستسغه المؤسسة الدينية في المملكة السعودية فوجهت له
تهمة الإساءة الى الدين الإسلامي ليحاكم بسبع سنوات سجنا والجلد 600 جلدة في واقع
جديد ينتفض من أجل حقوق الإنسان ولكن يحدث أن يحاكم شخصا لمجرد الإدلاء برأيه
بسلمية ودون أن يستعمل العنف .
نشير إلى أنّ أحد الأصوليين المصريين الدكتور
"هاني السباعي" كتب كتيبا صغيرا شهر ببعض المثقفين العرب وإعتبرهم
زنادقة محرضا ضدّهم للنيل منهم والطريف هنا يقيم الدكتور السباعي بلندن العلمانية
والتي تنطلق منها دعوات القتل والترهيب .
سؤال وأنهي : هل يمكن أن نشرع قتل أحدهم لأنه
إختلف عن فكر المجموعة ومبادئها أليس الإيمان بالحرية تكفل الإيمان
بحرية الآخر في التعبير وضمان سلامته طالما أنّه لم يمارس العنف المادي واللفظي
تجاه فرد أو مجموعة .. ؟