معرض المواضيع

الخميس، 10 أبريل 2014

جسد الريفية ثقافة ابداع و حياة

قلما حظي الجسد بدراسة كاملة تناولته كموضوعا معرفيا وذلك لكثرة المحاذير الاجتماعية و الدينية و الأخلاقية التي لا تزال ترى في الجسد قيمة مادية دونية يتحرج عنها الفرد في الحديث عنه و يترفع ليضمن الاحترام و الود من الآخر في مقابل تحركه في الفضاء الاجتماعي بأريحية دون عراقيل و مخاطر لأن موضوع الجسد يعتبر تابوها مغلقا شديد الإحكام مستندين على الأسطورة الدينية أن الجسد مصدره الخطيئة و الشهوة التي طردت ادم من الجنة.

هذا بصفة عامة , أما جسد المرأة فقد حظي بأكثر من التحقير و التهميش في ثقافتنا العربية الإسلامية للإرث الديني والاجتماعي الذي يحمله كل منا مما يجعل المرأة تعيش في سجن كبير من المحاذير و الموانع التي شيطنت المرأة و قزّمت من مرتبتها لصالح الرجل استنادا على أسطورة  طرد ادم من الجنة بإيعاز من حواء ونجد هذا في موروثنا الشعبي التقليدي أن حواء *زريعة إبليس * من كونها فتنة و مصدر خراب وفساد في المجتمع  وفي المقابل نقف على محاولات جدية و متجددة على مر العصور في إقصاء المرأة و جسدها من الحياة العامة بغطاء ديني و إجتماعي و الإرث الذكوري السطوي و الاستبدادي الذي يسعى  في إزاحة المرأة من الفعل الإجتماعي و تجنب مزاحمة الآخر _الذكر_  في الوجود الإبداعي و المبتكر.. ورغم أن المرأة قد أثبتت وجودها بشكل فاعل في العمل و في شتى المجالات الأخرى.

فلا يمكن فصل الجسد عن ذواتنا و تاريخنا  حيث تلازم معهما و لم ينفصل عنهما إلى يومنا هذا لأن الجسد شكل وعاء ثقافيا و اجتماعيا أفرغ فيه الإنسان على مر العصور أنماط سلوكه و ثقافته.

 من ناحية أخرى يجب الإشارة أن لغة الجسد سابقة للغة اللفظ فهو الذي يربط بين الإنسان و عالمه وهو جملة التعبيرات التي تبني و تؤسس العلاقة مع الأخر و الجماعة و يمثل كل علاقات و تفاعلات الفرد مع محيطه فلا داعي إلى تجاوز موضوع الجسد تحت أي مسمى من المسميات  و السعي إلى تمزيق حاجز الصمت و المنع و البحث في اللامفكر فيه و استنطاقه لمراجعة تأويلاتنا و نظرتنا تجاه الجسد لما يحمله من أبعاد مادية ثقافية أو اجتماعية.

فقد تناولت عديد الأبحاث جسد المرأة في إطار البحث الاجتماعي أو الفلسفي و ذلك لترسبات و تراكمات تاريخية تمتد إلى عصور تسبق الإسلام و لما فيه من إغراء معرفي لكسر حاجز المسكوت عنه و مقارعة المحرم الاجتماعي بحجج علمية صرفة .
و لكن لم نجد دراسات تبين أن جسد المرأة في قرانا و مدننا التونسية هو بطاقة عبور لثقافتنا التونسية وهو مخزن و مستودع لثقافتنا المحلية صرح به بصفة علنية على أجساد نسائنا.

فالمهتم بأحوال جسد المرأة يلاحظ حضورا بارزا على مستوى الأدوار و غيابا على مستوى القراءات العلمية والمتعلقة بمضمار حياة المرأة الريفية التي تتحرك في عالم ضيق بالقوة مفتوح بالفعل لأنها تجاوزت كل الحدود ورسمت شخصية مستقلة تتحرك بها و فيها في مجالات مختلفة من الواجبات العملية وصولا الى الابداع و الفن كالغناء الكافي الذي يعتبر من مقومات الثراث التونسي و أيضا صناعة الفخار و الذي يستبطن طاقات فنية هائلة  المنتج من نساء  الأرياف.

 فعلاقة المرأة الريفية بجسدها غير علاقة المرأة بتونس بجسدها  فهي علاقة مختلفة أشد الاختلاف فالريفية  تطبع تاريخها و تراثها على جسدها و تكتبه بطرق مختلفة  ولا تزال تحتفظ به رغم المتغيرات التي حدثت و ما تزال تحدث بواقعنا المعيش.

فعلى جسدها نجد الوشم و الحناء و الكحل و كل لوازم الزينة التي تحتفل بها  كما نجدها  في الأعراس و المأتم في صورة أخرى غير صورتها في العمل فجسدها لغة ثانية تحكي الحياة في ذاك المجتمع  و التمثلات الجماعية فالمرأة في الريف  ليست بإمرأة بيت و أم أطفال فقط بل هي أيضا عاملة في مواسم جني الزيتون و مواسم الحصاد لها ثقافتها الخاصة و تمظهراتها الثقافية تختلف عن باقي نساء المدن الأخرى و جسدها ليس هذا الجسد الذي سبق أن تحدث عنه بالسوء في مخيالنا التراثي  بكونه جسد فتنة  يثير الشهوات  بل هو جسد ينتج خبزا وحياة وفنا و إبداعا ..

 خولة الفرشيشي