الصورة الأولى :
كان شعرها أسود فاحما وناعما يغطي
كتفيها العاريتين … كانت تثير كل العيون المتطفلة وتدير كل الرقاب … صوت كعب
حذاءها يمكن أن يحدّد إتجاه كل الرجال فالكل معدل على صوت الكعب العالي كانت تتقن
الإبهار الجسدي كما تتقن الراقصة إدارة خصرها وهي تستمع بتهييج الذكور وعشقهم لها
.
الصورة الثانية :
كانت محجبة تستفيق أول إنبلاج
الفجر مع صوت المؤذن الذي يعلو كلما تأكدّ أنّ الناس نيام ولم يسمتع أحدهم إلى
نصيحته الخالدة : الصلاة أفضل من النوم .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الفلاح ..
تخاف من كشف زينتها للغرباء تهرول في مشيتها وتقرأ القران طول الوقت … تعتقد أنّها
فتنة الشيطان على الأرض فتقربت إلى الربّ بالصلوات الكثيرة والتي عجزت عن عدّ
ركعاتها فهي لا تتوقف عن السجود والركوع إلا حين يأخذها التعب وتقرّبت لذكور
عائلتها بالطاعة أباها وأخاها وأخوالها فهم كلّ القوامين عليها .
الصورة الثالثة :
بنتين متشابهتين في الأفكار
إحداهما لبست الحجاب والأخرى كشفت شعرها .. يدرسان ويطالعان ويناضلان ضدّ الهيمنة
الذكورية في البيت والشارع والدولة … إختلفتا في الهندام وإتفقتا في الأفكار.
الصورة الرابعة :
يحاول أن يكون مثقفا عن بني جنسه
تقدميا ليس كذلك السلفي الذي أقرّ بعهر النساء التونسيات أو كذلك الليبرالي الذي
إختزل ليبراليته في العلاقات الجنسية المتحررة .. يحاول أن يؤمن بأنّ المرأة شريك
في العلاقة وليس مجرّد كائن وتابع ولكنّه يفشل حين يفكر أن للمرأة ماض سبقه إلى
جسدها تتقن ممارسة الحبّ كم تتقن الخطابة والفصاحة والحديث في الفلسفة والأدب …
يقول أنّ كل هذا رائع وجيّد ولكنه لم يقبل إلى الان إمرأة جربت كلّ الأشياء قبله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما تزال المرأة في هذه المجتمعات ذات
الغالبية المسلمة بين فكرتين فكرة المرأة العورة والفتنة والتي يجب حصارها أو فكرة
المرأة الشبه عورة ويمكن التضييق عليها قليلا دون محاصرتها كليّا رغم أن الفكرة
الثالثة وهي أنّ المرأة شريك فاعل وليس تابعا خاضعا لإملاءات الذكورة مازالت هذه
الفكرة تحاول أن تولد في مجتمع قاس كهذا … مخاضها صعب يقتنع بهذا كل من امن بها .
تولد النساء في هذه المجتمعات ذات
الغالبية المسلمة في صيغة رقيق يحدّد قوانين إسترقاقه ذكور العائلة والقبيلة فهم
من وضعوا القوانين العامة والمحدّدة لمكانة المرأة داخل المجتمع وتبقى مفردات
الشرف العائلي والأخلاق الحميدة عنوانا كبيرا لضبط تحرّك المرأة في الفضاء
الإجتماعي فقد إتفق المخيال الجمعي بضرورة قبرها ولو صوريا قبرها في البيت أو في
الشارع وبكمية القوانين والأخلاق الزجرية التي تكبّلها وتعطل مسيرة تحررها .
نعود إلى الصور الأربع الأولى بعض
النماذج في هذه المجتمعات ذات الغالبية المسلمة والي أفرتها هذه البيئات المثالية
على المستوى الظاهر والمعقدّة والمريضة باطنا ، صحيح أن المتأمل في مجتمعاتنا هذه
سيجد أن هناك السافرات الجميلات اللواتي يشبهن نجمات هولييود لا ينقصهن شيء عنهن
سوى أصولهن العربية أو الإفريقية والأمازيغية .. فالواقع في هذه المجتمعات لا
ينفصل كثيرا عن الواقع العالمي وترويج صورة مستهلكة عن النساء كأيّ بضاعة تخضع
لشروط العرض والطلب لذلك لم يشّذ النموذج الأول عن هذه القاعدة وبقي فيّا لأخلاق
الرأسمال العالمي الذي روّج للمرأة في المجتمعات الإستهلاكية وسلعها ونزع عنها
قيمتها الإنسانية .
وفي أوساط كثيرة من مجتمعاتنا
الهشة فكريا والشعبية رغم تحدثها الظاهر إلا أنّها مازالت تعاني أزمة الإنتقال إلى
الحداثة وقيمها وعدم الإكتفاء بمظاهرها المريحة والمرفهة فقط وقد إنعكس هذا على
وضع المرأة في الصورة الثانية الذي أبدّه منذ قرون خلت فالمعايير القروسطية هي
التي جعلت من المرأة كائنا شيطانيا عليه التطهر امن بهذا الرجال وإستبطنته النساء
رغم محاولات جيل كامل من الصورة الثالثة المضي في مسيرة التحرر سواء من داخل
المنظومة الرسمية أقصد هنا الثقافة الأصولية التي مازالت تنتعش في حاضرنا كالبحث
عن الجوانب المشرقة والمضيئة فيها أو القطع معها والإنصهار في القيم الكونية
والعالمية التي تحفظ المرأة من تبعات الإستغلال الذكوري .
تبقى الصورة الرابعة هي صورة الرجل
في هذه المجتمعات وهو في مسيرة الشبه تحرر وهي مسيرة شاقة جدّا وسيأتي يوم ما
وستتخلص الأجيال القادمة من تبعات الأخلاق الذكورية التي طبعت على جسد المرأة
وعنونت بها حضورها وإعتبار المرأة كلا لا يتجرّا وأن جسدها ليس كيانا قائما بذاته
.
النضال من أجل حقوق المرأة مسيرة
شاقة ولكنّها تستوجب التضحيات حتى تتقدّم مجتمعاتنا فبتقدم المرأة تتقدم المجتمعات
وكلما لمت وإنتهكت حقوقها ينعكس هذا جليا على ظاهر وباطن المجتمعات .
كتبت خولة الفرشيشي