يحكي ان رياضيا قام في صباح شتوي و في ساعة مبكرة ليجري في الغابة القريبة من بيته و أثناء قيامه برياضته الصباحية شاهد عصفورا يحتضر و لم يكن له شيء يدفئ العصفور حتى تدب فيه الروح من جديد فتبرز و وضعه في برازه الساخن فزقزق العصفور و أثناء احتفاله بالحياة مر قط جائع لم يأكل منذ ايام و سمع زقزقة العصفور فذهب اليه و إنتشله من البراز و أكله الحكاية بها عبرتين : ليس كل من وضعك في البراز يريد لك الشر و ليس كل من إنتشلك من البراز يريد لك الخير.
هكذا الوضع في تونس منذ ثورة أو ما أطلق عليه بثورة 14 جانفي هبّة الشعب التي أطاحت بالنظام السابق و هبوب نسمات الحرية على شعب كبت طويلا في الحديث عن السياسة في ساحة سياسية شهدت حراكا لم يسبق ان لاحظناه في العهد السابق و عن إعلام شهد طفرة إيجابية في التعدد و في وجود الرأي و الرأي الاخر حقيقة لا شعارا.
وضع تونسي مختلف تماما عما سبق : صعود حركة دينية تقدم على أساس أنها تقدمية و معتدلة و نمو حركات دينية متشددة في الأثناء تقدم نفسها مرة تحت رابطات حماية الثورة و مرة أخرى تحت عنوان السلفية ... حملات تكفير و تشويه طالت كل المعارضين للنظام الناشئ ساهم فيها قيادات الحزب الحاكم و بعض الشيوخ حتى أن أحدهم دعا بالموت على أحد رموز المعارضة كما لا ننسى الحملة المسعورة التي عاشها الفقيد الشهيد شكري بلعيد قبيل إغتياله الغاشم و التي كفرته وخونته بالعمالة للداخلية في العهد السابق .
ما الذي تغير بعد إغتيال بلعيد سوى أن دمه أصبح قميص عثمان الكل يريد المتاجرة به تحت مسميات عدة تحت التعديل الوزاري و حكومة تكنوقراط أو حتى الذهاب إلى إسقاط النظام في ظل لعبة النفي و الإثبات التي يخوضها رئيس الحكومة بتشكيل حكومة تكنوقراط التي ترفضها حزبه حسب ما ردد في منابر الإعلام .
في خضم كل هذا و ذاك نشأت بعض التحالفات المريبة بين حزب يشكل أقصى اليسار الجبهة و حزب يميني ليبرالي النداء و بين شخصيات معادية للإسلام السياسي و برامجه و بين مبادرة حمادي الجبالي الذي يشكل أحد أقطاب الإسلام السياسي بتونس رغم وصفه بأنه من معسكر الحمائم بالنهضة و محاولة إيهامنا بالمعركة الوهمية التي يخوضها الحمائم و الصقور بأكبر حركة إسلامية سياسية في تونس .
و في المقابل لم نشاهد مجهودا حقيقيا في محاولة إماطة اللثام عن قتلة الراحل شكري بلعيد و الذي يبدو ان من المتورطين في إغتياله أطراف خارجية حسب ما يناقش في الساحة السياسية و في كواليس السياسيين دون ان يصرح بهذا علنا في الإعلام .
و تجدر الاشارة ان أطرافا من اليسار قد تحالف سابقا في تحالف ما عرف ب 18 أكتوبر 2005 في جبهة تضم أقصى اليمين الى اقصى اليسار ضد الديكتاتورية السابقة مع حركة النهضة التي استغلته كما يجب للوصول الى الحكم و هاهو اليوم يعيد نفس التجربة و يتحالف مع بقايا النظام السابق "حزب النداء من أجل تونس" في تحالف ضد الديكتاتورية الناشئة ليستغله مرة أخرى للوصول الى الحكم على ظهورهم دون أن تعتبر هذه الاطراف من اليسار التونسي من التجارب السابقة .
رحل شكري بلعيد عن ساحة سياسية ينخرها الفساد السياسي و الطموح الى الكرسي على حساب هذا الشعب المفقر و المهمش الذي خال أنه بإزاحة النظام النوفمبري قد أزاح معرقلات تحرره و إرتقائه بين الشعوب الأخرى .
نعود الى نقطة البداية لا تظن أن من وضعك في هذا الوضع السيء يريد بك الشر بل كل ما أراده ان يحرر و يتحرر من الدكتاتورية السابقة و لكن لا تثق بمن يريد ان ينتشلك بمبادرات لا تخدمك و لا تخدم مسار تحررك .