معرض المواضيع

الأربعاء، 30 أبريل 2014

شتات أنثى بين المنفى والوطن

قلت لك أنّي سأرتق غيابك بالإنتظار  سأرتق ثقوب الشهوة بأمل لقائك .. هذا المساء لم اعد تلك الصبورة التي تنتظرك بشغف .. نال منّي الشوق وأحببتك أكثر هذه الليلة  .. متى تطفئ اللهفة بدهشة لقائك .. بحضنك وبرضاب شفتيك .... عتّقت لك جسدي بما يكفي فهلاّ أتيت...  ؟؟
ضننت على نفسي بعطر شانال 5 .. لمن سأتعطر به في غيابك .. ضننت على نفسي بفستان فاضح يصفح عن رغبتي فيك .. وبخلت عن أحبتي بجمالي .. فإن تعطرت وتعريت .. خنتك.. 
هل أجرؤ على خيانتك يا رجلا تفصلني عنه المسافات ويحرمني منه الزمن والظروف والمستحيل ويقربني منه الأمل والحلم  .. هل جئت قبل أوانك أو بعد أوانك لم أعد أدري .. كلّ ما أعرفه أنّ هذا القلب يحبّك وهذا الجسد يريدك .. هل تخاف جسدي أو تجاربي ..؟؟ 

جسدي ذاكرة وطن يا حبيبي وطن الديكتاتورية ووطن الثورة .. عليه إنهارت قيم اليمين المحافظ وقيم اليسار الراديكالي .. كم يشهد هذا الجسد على خيانة اليمين واليسار .. لا تكن منهما.. فقط توسطهما ونم على مقربة من القلب .. هل تحبّني أكثر إن صارحتك أكثر .. أو أنك رجل تشبه الشرق وتقاليده وتخاف ذاكرة إمرأة حفرت بالهزائم وشبعت بالخيبات .. كانت الخيبة قهوتي اليومية التي أرتشف منها أوجاعي وأيضا آمالي .. بي أمل يحط على مفرق العين ولا يرحل لي شيء في هذا العالم إنه لي سأحارب من أجله ..

حبيبي أرحل إليك هذه الليلة إلى فراشك أدنو منك وأتأملك .. بي رغبة أن أضمك حتى تلتصق بي وتنصهر بين العظم واللحم .. ليتني أضعك في رحمي يا طفلي الذي لم أنجب .. طفلي الذي حلمت به يراقصني على أنغام البيانو .. وكأني تأكدت أني لن أنجب طفلا أسميه تموز .. الاعبه اراقصه وأعلمه حبّ النساء وتقديسهن حتى الثمالة ..
لست حزينة لأني لن أنجب طفلا يكفي أني أنجبت حبّا .. حبّك الذي يلهيني عن أمومة أنثى..  بأمومة وطن .. هل يمكن أن أكون أمّ الوطن والله يا حبيبي أحب البلاد كمالا  يحب البلاد أحد أشقى بها ولا أشفى منها ..

 ستقول لي أن نزعتي اليسارية إستيقظت هذا المساء الحالم .. لا تخف طلقت اليسار واليمين ولا أنتمي إلا لفريق الوطن .. لا تخف لن أتخندق وراء شق وأرفع شعارا مهما كان سموه سأرفع راية الوطن تغنيني عن كلّ شيء .. حبيبي ذات مرّة أنجبني الوطن وهذه المرّة أنجبته .. سأكتب لك عن أوجاعي ..و يجمعني حلم لقائك رغم أنّ إحساس الموت القريب يتملكني هل تتوقع موتي .. لا أرجوك.. لا أريد موتا سهلا تافها .. أريد موتا بقدر خيباتي وهزائمي وأحلامي وطموحاتي .. موتا ينصف حياتي ...وقبل  كلّ هذا هلا أتيت ؟؟ 
خولة الفرشيشي 



اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الاثنين، 28 أبريل 2014

رســــائل إلى سهر .. أو عندما يسخر القدر !

تلقيت خبر موت صديقتي سهر  يوم 23 أفريل بالقاهرة تحديدا بمنطقة مصر الجديدة  إثر جلطة دماغية توفت صديقتي بين قططها وفي عالمها السحري الحالم بين البيانو عشيقها الوفي وكتبها .. كان قلب  سهر أجمل بكثير من وجهها الصبوح .. أحببتها ومازلت وإخترت أن أكتب لها حتى لا أبكي فالدموع تنسي أحبتنا وأنا لا أريد أن أنسى سهر .. أثناء إحتضارها  كتبت ما يلي : "لن أكتب لميّت ولن أذكر مناقبه سأدع ذاكرتي تلتهمه بقسوة كما تلتهم النيران الأشياء .. سأكون وفية للأحياء ومن أحبّهم سأكتب عنهم ولن أنتظر رحيلهم حتّى أرثيهم ! " ورغم ذلك كتبت لها بعد موتها الذي حاول صديقي مايكل أن يقنعني به ولكني لا أصدّق أنها رحلت بسهولة هكذا .. ! 

الرسالة الأولى 23 أفريل   2014 

اليوم فقدت توأم روحي التي تشابهت تفاصيل حياتها مع حياتي وأفكاري مع أفكارها .. تحادثنا بكينا معا .. تألمنا وحلمنا بغد أجمل .. رحلت يا سهر قبل أن أنفذ وعدي لك أن أكون بالقاهرة أن نسهر إلى الصباح في شوارعها ونغني .. هذه المرة الثانية التي يبتلع فيها تراب القاهرة ثاني أحبّتي لمن تركتني !!! .. يا سهر متّ قبل أن تقولي وداعا قبل أن أقول لك أحبّك جدّا .. وقبل وقبل وقبل .. لم تكملي حلمك عزيزتي سأكمله عنك يا عمر عمري يا قلب روحي وليسقط كلّ شيء في هذه اللحظة .. سهر أقسمت أن لا أكتب لميّت ولكن سأتذكر مبدئنا : الأسود والأبيض كلّ الحقيقة والرمادي شاهد زور .. وسأكمل ما بدأته يا حبيبتي  !!

الرسالة الثانية 24 أفريل 2014 : 

صباح الخير جميعا .. صباح الخير سهر .. صباح الخير مايكل .. صباح الخير على الصداقات الرائعة التي قدّمت لنا الكثير ولم تجرحنا يوما ولو بكلمة سوء .. صباح الخير يا خولة أو ما تبقى منها من أمس إلى اليوم !

  الرسالة الثالثة 24 أفريل 2014    : 

صباح الفلّ يا قمر ... سهر لي صديقة رائعة جدّا تدعى بجليلة تحبّني كثيرا وأحبّها كثيرا .. جليلة مثل مايكل يا سهر تخاف عليّ من الدنيا ومن نفسي أحيانا .. حنونة جدّا معي وقاسية أيضا .. جليلة الوحيدة التي أعرف أنها لن تطعنني في الخلف أما الباقي متأكدة أنّ أبسط الأشياء يفعلونها في غيابي القيل والقال عنّي لست غاضبة منهم ولا أكرهم .. سهر حلمنا أنا وأنت ومايكل بالهجرة من أوطان نهشتنا وقتلتنا .. حلمنا أن نفعل أشياء وأشياء .. سهر أقسم لك يا عزيزتي أنّي سأنفذ كلّ أحلامي وأحلامك في يوم جرحني من أحبّ فقلت له سأنجح بقدر جرحك .. وقتها قلت لي هذا تافه لا يستحق رهانا ..
سهر أحتاج إليك حقّا...  كثيرا ما قلنا أننا توأم رغم إختلاف تاريخ الميلاد ولكنّ تشابه حزني وحزنك .. سهر هل تعلمين أكرهك جدّا لأنك كنت ضعيفة ومستسلمة لهكذا مجتمع حقير تركته بسهولة لما يا سهر لماذا أسألك ردّي .. لماذا رحلت دون مقاومة .. سهر لا أستطيع فعل شيء حاليا سوى البكاء والإنكفاء على ذاتي في غرفتي .. سهر أودّ الصراخ حقا .. أود أن يحضنني مايكل ويحادثني كريم عامر أكثر من أحبّك بصدق .. سهر لمن تركت الحياة وتفاصيل الحياة أنت .. .. سهر أوصيك بأحبتنا الذين سبقونا خيرا سيعتنون بك يا قلبي وأنا سأبكي عند لقاء جليلة عمامي صديقتي موت بعض الأشياء في نفسي .. !

الرسالة الرابعة  25 أفريل 2014
 :

الحدائق المعلقة درس إنساني كيف تنبت الوردة في الأعالي الشاهقة وفي دون تربتها ورغم ذلك تنمو وتكبر .. الحدائق المعلقة هي قلوب ترفعت عن الواقع المفروض والمنظم بقواعد النفاق لتكون أجمل وهي شامخة في علوها .. قلبي حديقة معلقة وقلوبكم أحبتي ... صباح الخير على الصداقات الصادقة لا تلك الصداقات الصدقات التي نمن بها على الفراغ !

الرسالة الخامسة 25 أفريل 2014 إلى سهر وكريم عامر ومايكل محسن 

لم تكن سهر مجرد إنسان عادي .. سبقت عصرها بملايين السنوات الضوئية كانت طاهرة نقية كزهرة الصبّار الصبورة .. لم يقتلها شيء .. قتلها جمالها وثقافتها وحسها المرهف ومرض مزمن .... قسما بك يا قلبي سنكمل طريقنا وسنسقط ربّ الذكورية في أوطان النكران والجحود . 

الرسالة السادسة 26 أفريل 2014  : 

صباح الخير ... وصباح الوفاء للذكرى .. الموت يصنع الذكرى والذكرى تصنع الوفاء .. إنها جسور تربط فيما بينهم وتترفع عن واقع صعب كهذا ..

 الرسالة السابعة 26 أفريل 2014 : 

هل تعلمين يا سهر أنّ الموت يصنع الوجود .. هل تعلمين يا صديقتي أنّك هنا في القلب تعيشين وبين أشيائي وتفاصيلي البسيطة من عطر وماكياج .. أحبّ أن أكون جميلة دائما حتى ولو كنت حزينة .. سهر هل تعلمين أنك إحترقت لتضيئي طريقنا .. كريم يكتب أجمل مما كان ومايكل يصرّ على النجاح .. وأنا يا سهر لي حلم كبير صار بقامة مارد بعد موتك .. إن الموت شقيق الحياة يا سهر كنت أظن ان اللغة والجسد يصنعان وجودنا فأنظري كذلك الموت أيضا .. تصوري أني اودّ الموت لساعات حتّى أرى وجودي الذي لا أحس به في حياتي .. سهر سأسمع الموسيقى شاركيني وسأكمل قراءة بقيّة رواية سألتهمها الليلة .. سهر إنّك هنا بيننا والجسد فان يا حبيبتي مهما تتطهر أو تدنس ولكن روحك خالدة لأنك أنقى من النقاء ذاته .. !

 الرسالة الثامنة 27 أفريل 2014 : 

سهر أيّ إمرأة أنت صنعت وجودك في أكثر من وطن . إنطلقت من مصر لتقطعي القارات .. سهر هل أنت نبيّ ولم نكن ندري يا حبيبتي ؟

 الرسالة التاسعة 27 أفريل 2014 

أن نصل إلى أعلى مراحل الحبّ كان علينا أن نفقد أشياء وأشخاص كانوا يمثلون العمود الفقري لوجودنا .. عندما تحبّ إلى هذه الدرجة لم يعد يهمك أن تفقد الحبّ أو تملكه .. لأنك قد تحررت من المادة !
الرسالة العاشرة 28 أفريل 2014 

عنددما تفتش عن الحقيقة تأكد أنك لن تجدها فقط ستعترض طريقك كعابر سبيل صدفة ودون ميعاد .. صباح الإنسانية 



كتبت خولة الفرشيشي 
الصورة المرفقة صورة سهر فوزي من أروع الصديقات اللواتي عرفت .. نامي بسلام وزورينا بين الحين والآخر :) 

فيديو رائف بدوي الذي وعدت به سهر : 

اقرأ المزيد Résuméabuiyad

السبت، 19 أبريل 2014

السعادة : أنـــــــثى



ما معنى أن تكوني سعيدة .. أن تسعدي بقارورة عطرك أن تضخي منها قطرات وكأنّها إكسير الحياة .. أن تضعي الحمرة على شفاهك وتبتسمي وتقولي في غرور : أنا إمرأة حقيقية حتّى كعب حذائي .. أن تشربي قهوتك على مهل وتؤمني أنّ الغد أجمل وأروع .. لا تذكري عشاقك ليس الوقت مناسبا لإسترجاع هزائم وإنتصارات .. أن تفرحي ببضع قطع ملابس وتقولين جيّد ما املك وأنيقة أنا .. أن تمشي مرفوعة الرأس خالية القلب من الهموم وحتى وإن مكث بعضها في تخوم القلب لا تستسلمي وقولي أيّها القلب الكبير الشامخ ما عهدتك ضعيفا .. مارسي طقوس يومك بإنتظام وبحبّ .. وإقرئي صفحات يومية من كتب متنوعة .. لا تنتظري هاتفا و لا تفتشي في رسائل قديمة و لا تقتلي فيك رغبة الحياة .. أحبّي جسدك وإقبلي به كما هو .. لا تنتظري شهادة من أحد أنّك رائعة ومدهشة فهذه حقيقة و ليست مجاملة .. إجعلي من كلّ يوم ملحمة في الحياة وأكملي طريقك خطوة خطوة فكل شيء في وقته حلو وجميل وتذكري دائما أنّ هناك نساء جائعات وتائهات .. كادحات فقيرات ويكابرن .. فلا تشكي حزنا ولك كلّ هذا !
خولة الفرشيشي 


اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الجمعة، 18 أبريل 2014

على درب غادة وميّ سأكتب لك حبيبي



"لا تقلقي ميّ في مضجعك .. نامي مطمئنة .. غادة أكملي نظرياتك في الحبّ .. لي حبيب سأراسله عمرا وسأكمل على دربكما معنى أن يسكن الحبّ رسالة .. ميّ زيادة وغادة سمّان لي حبيب له من جبران وغسّان الكثير !"  هل أبدأ رسالتي بغيرك وأنت القبلة التي أقصدها .. كيف حبيبي وأنا التي تغار غادة وميّ لأنّ الحبّ سكنهما حتّى الثمالة .. فأرجوك دعني أحبّك حتى الثمالة ربما أستطيع أن أكتب كما كتبتا ولو أني أعرف أنّي لست من مقامهما ولكن دعني أجرّب ..

لأنّي أعلم أنّي سأرحل ذات يوم ولو كان بعد عشرين سنة أو أكثر لا يهمّ .. سأحبّك اليوم وسأرتمي في الحكاية حكايتنا دون أن أفكر في العواقب الوخيمة .. لست جبانة في الحبّ رغم أنّي أخاف الكلاب .. هل سبق وقلت لك أن أخي يمتلك كلبين رائعين ويعتني بهما كما تعتني الأمّ بالأبناء .. هما طيّبان جدّا ولكنّي أخافهما أحب مشاهدتهما من بعيد فقط .. سأسألك حبيبي أيّها أكثر خطورة عضة في اليد سرعان ما تشفى أو ندبة في القلب تشقى بها طول العمر .. !!

لا تخف لست خائفة لأن الخوف يقتل الحبّ والشجاعة تحييه وتحيينا  ولا أفكر أيضا في النتائج لأني أعلم أننا سنرحل عن بعض فالحبّ الذي يولد في الأفق لا مستقر له ولا قرار .. لا أعلم أيضا إن كنت سأحبّ بعدك .. كذبت على كلّ الرجال قبلك وقلت لهم أني لن أحبّ بعدهم ولكنّي أحببت وكأني لم أعرف أحدا فيهم .. أنا كاذبة حبيبي أقرّ بهذا ولكنّي أوّد أن أمنح للحبّ بهرجا من شغف الشعر ورنق الروايات ... وسحر الموسيقى .. كاذبة ولا أنكر .. لا أعلم حقّا إن كنت أحببت قبلك أم لا فكلّ حكاية إنتهت أطوي الصفحة بعدها ولا أرجع .. 

لنفترض الان أنّك تضحك من جنوني أو من بساطتي أو حتى تسخر من كلّ هذا لا يهمّ فكلّ ما أعرفه أنّي أعيش تفاصيل التفاصيل معك .. نسيت أن أقول لك أنّي إمرأة التفاصيل أحفظ المواعيد والتواريخ وجزئيات الألوان والعطر .. أنا ذكيّة جدّا حبيبي رغم أني لا أميل إلى 
إبراز ذكائي فدائما أظهر في ثوب البسيطة والطيّبة حتى السذاجة ولكن ثق أنّي كتلة لهب و ذكاء ... قلت لك أنّي أحفظ المواعيد ولي كلمة أقولها : لا تغفري لرجل أخلف موعده معك بعدها سيخلف وعده ولم أغفر لرجل ذات يوم لأنه لم يأت في ميعاده فرحلت عنه .. 


هل تعلم أوّد الكتابة في السياسة أو إنجاز مقال فكري أو التحضير لمناقشة رسالة الماجستير ولكنّي لا أستطيع كلّ هذا ... بي تعب لا يكّل ولا يملّ منيّ ... متعبة أنا حبيبي بحبّك لدرجة أني أحيانا أتمنى أن يختفي حبّك من قلبي هكذا أستفيق في الصباح ولا أجد صورتك بجانبي .. نسيت أيضا أن أقول لك لقد إستخرجت لك صورة وأقنعت أبي أنها لأحد ثوار أمريكا اللاتينية .. لا تضحك رجاء .. أنا عاشقة وفقط ..

متى يأتي موعد المخاض أتعبني الحمل حبيبي .. أنا حبلى بك .كلما إقتنعت أني أنجبتك في انتصار صغير أو نص جميل  تخاتلني وتعود إلى أعماقي وكأنه شبه لي أنك ولدت ولكنّك لم تلد بعد ..
أودّ أن أكتب لك الكثير والكثير ولكنّي متعبة حقا سأعود لاحقا وأخط لك بعض ما هو عالق بي .. وإلى أن نلتقي سلام الروح لروحي التي هناك .. فيك أقصد حبيبي

خولة   الفرشيشي .





اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

وجــــــــــــــــــــــــــــوه داميـــــــــــــــــــة


تحرّش : 


كانت طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات لا غير .. طفلة تعرف كيف تقصّ خرق القماش لتخيطها أثوابا لعروستها .. تحتفي بالألوان رغم أنّها أدمت أصابعها بالإبرة والمقص .. هي طفلة التسع سنوات ولكن كان جسدها ربّما أكبر من سنّها بقليل لدرجة أنّ احد أقرباء العائلة إشتهاها .. كان رجلا وسيما ومثقفا وأربعينيا له من التجارب ما يكفي ويفي أن يكون رجلا تشتهيه كلّ النساء أو بعضهن لا يهمّ .. كانت كلّ العائلة تثق به فهو رجل ذو مبدأ ورسالة .. كانت تدرس بالليل وحيدة في غرفة الجلوس وكان يأتي أحيانا لمحادثتها وملاعبتها إلى أن إستيقظ الشيطان فيه أو الحيوان .. هي لا تعرف المراودة ولا معنى أن يستفيق جسدها على شهوة مشتعلة هي طفلة التسع سنوات لا غير ... كان يتحسس نهدين لم يبرزا أو ربّما برزا في حجم لوزة لم يكتملا بعد .. يقبلها قبلات خفيفة على شفتيها دون أن تتذوق رضابها ولا رضابه .. وكأنّه يمنع عن نفسه وعنها رغبة مكتملة ربّما كان يمنع عن نفسه هو لا هي فهي طفلة التسع سنوات .. صادف أن روت لأهلها ما حدث فكان عقابها عسيرا وكرهها قريبها لدرجة أنّه إسترسل في إيذائها وهي طفلة تفرح لحلوى طيّبة أو بكلمة حلوة .... 
تزوجت رجلا أحبّها حقّا ولكنّها لم تعرف معه معنى اللذة الجنسية ولم تصل بعد إلى النشوة .. هي مخدوشة من الداخل وهشة كشظايا بلور مكسور ... هي لا تعرف من مات فيها الطفلة أو الأنثى .. كلّ ما تعرف أنّ لها جسد لعنة أغرى الرجال وقتل فيها الأنوثة أو الإنسان . 


إجهاض : 


غادر بطنها في وجع و ألم .. رأت ملامحه المتشكلة عينان وفم .. كان صغيرا جدا و لكنه كان أيضا كبيرا بحجم فاجعتها .. لم تعرف أنّه اكبر الخيانات في حياتها أن تقتل وليدها رغم كل التبريرات التي حاولت أن تسوقها لنفسها ... لم تدرك أن الحياة بعده مجرد حياة لا غير و أن البقاء على قيدها هي محاولة للقاءه مرة ثانية .. تتأمل السماء علها تمطر جنينها في غفلة منها .. ربما تلتحم به .. ولكنها تعرف أنها دفنته بقبر التصق ترابه بدموعها ..
لا تجهضي هي رسالة لكل إمرأة . 

الخـــــــائنة : 

في مساء ربيعي جميل جمعهما معا ... كانت تثيره بلهفتها وحبّها وغيرتها الصغيرة عليه .. وكان يثيرها برصانته وصمته وكلماته القليلة في الحبّ والعشق .. في كلّ لقاء يفتحان عشرات الكتب ويشاهدان نشرات الأخبار رغم أن ما يجمعهما طاولة عليها بعض نبيذ أحمر .. يراوغها قعر الكأس الذي علق به قطرة نبيذ حمراء ترى لو أدخلت إصبعها هناك في الكأس ولعقته هل سيخجل بها أمام هذا الجمع الغفير من المتأنقين .. لا يهمّ سأفعلها يوما هكذا قالت كما كنت أفعل مع علبة الياغورت .. هي قطرات لا تغني من جوع ولكن جمالها أنّها تخلصنا من الإيتيكات الزائفة أريد أن أكون إنسانا لا ينتمي إلى عالم الأضواء والشوكة والسكين والمضغ بلطف وإبتلاع الأكل وتصنّع إبتسامات في حديث يفصل بين لقمات العشاء .. ربّما كان العشاء خارج المنزل والحديث أثناءه هو فرصة تبرير للمطاعم بأنها لا تمنح أكلا كثيرا ولكن في المقابل تنظم جلسة حديث شاعري لا يمكن أن يحصل سوى على طاولة فخمة .. ما أسوء عالم الحداثة ..!!! 
بقدر ما يحبّها كان يخافها هو لا ينسى أنّها صرّحت بعظم لسانها أنّها خانت رجلين من سلالة الشعراء رجل ملامحه تشبه ملامح تشي غيفارا أحبّها بجنون وعشقها حتى الموت ولكنّها خانته ولم تعرف لما خانته إلى اليوم ربّما لتخرج عن محاصرته وشكه فأثبتت له أنّها قادرة على الخيانة كما كانت قادرة على إغوائه ..
ورجل ثان تشبه ملامحه ملامح رجل الغابات ماوكلي بطل طفولتها هي لم تخنه جسديا ولكنّها دخلت إلى علاقة تحمل رجلا في أحشاء قلبها .. هي لم تخن رجل الغابات بل خانت حبيبها لانه يسكن قلبها ولكن عرفت غيره .. هي لم تخن حبيبها بل خانت نفسها .. 
هو لا يعرف إن كانت ستخونه أو لا .. 
هي نفسها لا تعرف إن كانت قادرة على الوفاء أم لا !!!

كتبت خولة الفرشيشي 


اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الخميس، 10 أبريل 2014

جسد الريفية ثقافة ابداع و حياة

قلما حظي الجسد بدراسة كاملة تناولته كموضوعا معرفيا وذلك لكثرة المحاذير الاجتماعية و الدينية و الأخلاقية التي لا تزال ترى في الجسد قيمة مادية دونية يتحرج عنها الفرد في الحديث عنه و يترفع ليضمن الاحترام و الود من الآخر في مقابل تحركه في الفضاء الاجتماعي بأريحية دون عراقيل و مخاطر لأن موضوع الجسد يعتبر تابوها مغلقا شديد الإحكام مستندين على الأسطورة الدينية أن الجسد مصدره الخطيئة و الشهوة التي طردت ادم من الجنة.

هذا بصفة عامة , أما جسد المرأة فقد حظي بأكثر من التحقير و التهميش في ثقافتنا العربية الإسلامية للإرث الديني والاجتماعي الذي يحمله كل منا مما يجعل المرأة تعيش في سجن كبير من المحاذير و الموانع التي شيطنت المرأة و قزّمت من مرتبتها لصالح الرجل استنادا على أسطورة  طرد ادم من الجنة بإيعاز من حواء ونجد هذا في موروثنا الشعبي التقليدي أن حواء *زريعة إبليس * من كونها فتنة و مصدر خراب وفساد في المجتمع  وفي المقابل نقف على محاولات جدية و متجددة على مر العصور في إقصاء المرأة و جسدها من الحياة العامة بغطاء ديني و إجتماعي و الإرث الذكوري السطوي و الاستبدادي الذي يسعى  في إزاحة المرأة من الفعل الإجتماعي و تجنب مزاحمة الآخر _الذكر_  في الوجود الإبداعي و المبتكر.. ورغم أن المرأة قد أثبتت وجودها بشكل فاعل في العمل و في شتى المجالات الأخرى.

فلا يمكن فصل الجسد عن ذواتنا و تاريخنا  حيث تلازم معهما و لم ينفصل عنهما إلى يومنا هذا لأن الجسد شكل وعاء ثقافيا و اجتماعيا أفرغ فيه الإنسان على مر العصور أنماط سلوكه و ثقافته.

 من ناحية أخرى يجب الإشارة أن لغة الجسد سابقة للغة اللفظ فهو الذي يربط بين الإنسان و عالمه وهو جملة التعبيرات التي تبني و تؤسس العلاقة مع الأخر و الجماعة و يمثل كل علاقات و تفاعلات الفرد مع محيطه فلا داعي إلى تجاوز موضوع الجسد تحت أي مسمى من المسميات  و السعي إلى تمزيق حاجز الصمت و المنع و البحث في اللامفكر فيه و استنطاقه لمراجعة تأويلاتنا و نظرتنا تجاه الجسد لما يحمله من أبعاد مادية ثقافية أو اجتماعية.

فقد تناولت عديد الأبحاث جسد المرأة في إطار البحث الاجتماعي أو الفلسفي و ذلك لترسبات و تراكمات تاريخية تمتد إلى عصور تسبق الإسلام و لما فيه من إغراء معرفي لكسر حاجز المسكوت عنه و مقارعة المحرم الاجتماعي بحجج علمية صرفة .
و لكن لم نجد دراسات تبين أن جسد المرأة في قرانا و مدننا التونسية هو بطاقة عبور لثقافتنا التونسية وهو مخزن و مستودع لثقافتنا المحلية صرح به بصفة علنية على أجساد نسائنا.

فالمهتم بأحوال جسد المرأة يلاحظ حضورا بارزا على مستوى الأدوار و غيابا على مستوى القراءات العلمية والمتعلقة بمضمار حياة المرأة الريفية التي تتحرك في عالم ضيق بالقوة مفتوح بالفعل لأنها تجاوزت كل الحدود ورسمت شخصية مستقلة تتحرك بها و فيها في مجالات مختلفة من الواجبات العملية وصولا الى الابداع و الفن كالغناء الكافي الذي يعتبر من مقومات الثراث التونسي و أيضا صناعة الفخار و الذي يستبطن طاقات فنية هائلة  المنتج من نساء  الأرياف.

 فعلاقة المرأة الريفية بجسدها غير علاقة المرأة بتونس بجسدها  فهي علاقة مختلفة أشد الاختلاف فالريفية  تطبع تاريخها و تراثها على جسدها و تكتبه بطرق مختلفة  ولا تزال تحتفظ به رغم المتغيرات التي حدثت و ما تزال تحدث بواقعنا المعيش.

فعلى جسدها نجد الوشم و الحناء و الكحل و كل لوازم الزينة التي تحتفل بها  كما نجدها  في الأعراس و المأتم في صورة أخرى غير صورتها في العمل فجسدها لغة ثانية تحكي الحياة في ذاك المجتمع  و التمثلات الجماعية فالمرأة في الريف  ليست بإمرأة بيت و أم أطفال فقط بل هي أيضا عاملة في مواسم جني الزيتون و مواسم الحصاد لها ثقافتها الخاصة و تمظهراتها الثقافية تختلف عن باقي نساء المدن الأخرى و جسدها ليس هذا الجسد الذي سبق أن تحدث عنه بالسوء في مخيالنا التراثي  بكونه جسد فتنة  يثير الشهوات  بل هو جسد ينتج خبزا وحياة وفنا و إبداعا ..

 خولة الفرشيشي 




اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الاثنين، 7 أبريل 2014

جسدها ملكها وليس شرفكم !



استعمل الجسد  الأنثوي في معركة تحرير المرأة كلافتة إشهار لمضمون البضاعة السياسية التي تقدمّها الأطراف الدينية أو الحداثية .. فالجسد المحجب هو جسد صالح وطيّب والجسد السافر هو جسد عاهر ومتفسخ إذ تحكم النظرة الأخلاقية حضور الجسد في العالم

وقد إنساق وراء هذه الثنائيات بعض النخب التي غذت الصراع الوهمي حول حرية المرأة مثلا من خلال تشجيع تعرّي أمينة فيمن وحصرت المعركة بين حريات كاملة أو منقوصة بقيت للأسف على مستوى الجسد الذي بقي نقطة البدء في موضوع قضية المرأة هذه القضية التقدمية والتي تبدأ بطرح رجعي جسد المرأة العورة والفتنة . 

يؤسس بعض المنتقدين لليسار التونسي لحظة نقدهم إنطلاقا من الجسد الأنثوي من بعض الممارسات الشخصية لبعض مناضلي اليسار  تجاه المرأة التي يستخدمونها وليمة جنسية على أفرشتهم مغلبين غريزتهم الحيوانية على نظرياتهم الفكرية 

وينطلق بعض المتحمسين لقضية المرأة ودفاعهم عنها  بفضح أدعياء الحداثة الذين يبتزون المرأة في جسدها مما يكشف زيف شعاراتهم التي تهاوت امام الجسد الفتنة حسب ما صوره الدين والثقافة وبعض الفلسفات المثالية وحسب ما تبيّنه ممارستهم لم تخرج المرأة من بوتقة الكائن المغري الذي يسيل لعاب الذكر رغم محاولة الحفر في العقلية الذكورية التي إبتدأت منذ قرون رغم الضغوط التي كانت تمارسها الأصولية أمس واليوم ولأن الحداثة تعني إلتزاما متواصلا بعملية النقد والنقد الذاتي حسب عبارة أدونيس فإن علينا مواصلة التصدّي للأفكار الرجعية التي لا يعود أصلها إلى الدين فقط بل أيضا إلى ثقافة المجتمع

يبدأ  بعض معارضي اليسار نقد اليسار من ممارساتهم السيئة تجاه جسد المرأة مما يجعل هذا الجسد الأنثوي مقياس حرارة بين الشرف والعهر فهم عن قصد أو غير قصد  يطبعون عليه لمسة أخلاقية مما يجعل المرأة إزدواجية الحضور بين أخلاقها وجسدها سأفسر كالاتي : إن كانت المرأة طيّبة الأخلاق ومتحررة الجسد فهي عاهرة وإن كانت دميمة الأخلاق ومحافظة الجسد فهي شريفة وإن كانت رائعة الأخلاق ومحافظة الجسد فهي أكثر من ممتازة ويجب الظفر بها وكأنها حور عين الدنيا نفس تلك الحور التي صورّها الله بكونها لم يطمثها جان ولا إنس  .
يعود هذا إلى الثقافة العربية المتخلفة التي عنونت من الجنس معيار أخلاقها وبه تقاس المرأة درجة شرفها وعفتها ولا يهم إن فقدت عفتها المعنوية فالعفة الظاهرية هي دليل شرفها تلك قطرات الدم التي تسال تكفي أن تخرس مجتمعا بأكمله  ولا يهم  إن كانت عاهرة فكريا في مجتمعات تتبنى خطاب الأخلاق الظاهرية دون طرح حقيقي لمفهوم الأخلاق أو الشرف  نشير هنا إلى أن بعض النساء تستبطن دونيتها فهي تعيد إنتاج قيم المجتمع الذي تعيش فيه ربّما لتكسب ودّ الذكورة العربية التي تعطيها حقّ التواجد في المجتمع  .


المتابع للشأن العام التونسي يلاحظ إنتقادات لصحفيات أو ناشطات على مستوى أخلاقهن والتي تظهر فضائحهن وغيرها من الإيتيكات الأخلاقية إن تعارضت مواقفهن مع الأصولية السياسية والتي تخرج اساسا عن لبّ الموضوع فلم يعد موقف الناشطة مرتهنا بالنقد بل سلوكها أيضا " فلانة كانت طايحة مع فلان وفلانة كان فلان يريقل فيها " وغيرها من المواقف التي تظهر المرأة في مظهر المفعول به جنسيا لا الشريك في عملية الجنس ربما الحقل اللغوي العربي يساعد أساسا في تمرير فكرة المرأة المفعول بها كعبارة "وهبت جسدها" وكأن هذا الجسد مفصول عن المرأة مثل قطعة أثاث أو مصوغ يمكن أن تهبه أو تعيره لمن تشاء ربما يعود هذا إلى المخزون الإجتماعي الذي يمارس الوصاية على المرأة وجسدها وكأنها لم تبلغ من الوعي ما يمكنها من الأهلية في التصرف في جسدها كما تشاء هي ، فلم يسبق أن تعودنا في لغتنا أو في ثقافتنا أن نعتقد أن المرأة تشارك الجسد الذكوري لحظات متعة فهي في المخيال الإجتماعي لا تستجيب إلا لإملاءات غريزة الرجل لتشبع شهواته .  

يذهب البعض إلى  مراقبة النساء  في خلواتهن وهو سلوك في نظري سلوك أقرب إلى عمل  هيئة الأمر بالمعروف والنهي على المنكرإذ لا يقل هذا السلوك وخطابه بشاعة عن السلوك و الخطاب الأصولي الذي بدأ الحديث عن المرأة إنطلاقا من جسدها وكأن علامات الأنوثة على جسدها يطبع بها حضورها في العالم : تغطى السوأتين في الخطاب الأصولي وتبرز السوأتين بشكل مثير في خطاب مجتمع الحداثة  الذي أيضا نال من المرأة وتناولها كأنها منتوج تجاري قبل أن تكون مواطنا .
إن لم تحرر المرأة نفسها فلن يحررها أحد لا ملايين المحتفلين بعيد المرأة العالمي كل يوم 8 مارس أو الالاف الذين يهبون لنصرتها كل يوم 13 أوت  في عيدها الوطني . 
...


كتبت خولة الفرشيشي 







اقرأ المزيد Résuméabuiyad

الخميس، 3 أبريل 2014

بين الواقع والإفتراضي يسكن المجتمع


يتميّز المجتمع العربي بانفصامه النفسي بين بنيتين : مجتمع تقليدي_ حداثي ، مجتمع رجعي _ظلامي مجتمع يستبطن في داخله قيم الثقافة الرسمية وينفيها خارجا على تضاريس جسده في مظهره الخارجي كمواكبة الموضة واللحاق بآخر الصيحات العالمية التي تنطلق من العالم الحديث الذي يتعارض مع ثقافة المجتمعات العربية وعلى مستوى خطابه الشفوي وبعض ممارساته التي تتنافى مع قيم المجتمع التقليدي  وكأن هذه الكتلة المادية تفصل بين لحم المجتمع ولحم الجسد .

على تخوم الجسد تتهاوى الثقافة الرسمية التي تحضر في لقطة جسدية عابرة  "جنس أو خمر أو قراءة أو كتابة نص خارج عن ثقافة السائد والمألوف " تمرّ هذه اللقطة ضمن المسكوت عنه حين اللقطة العابرة  وبعدها ليستيقظ الوعي ويحاول النقد والحفر في الفعل المادي والتملص منه فمحاولة النقد الظاهري كالإستتابة مثلا أو الندم أو حتّى تجاهل ما حدث وإلغاءه من الذاكرة  لا تؤسس لحالة وعي للغرائز والرغبات الإنسانية في التحرر من القوالب الجاهزة والتي إنجر عنها الفعل المادي بل بالعكس تزيد الوضع قتامة بالتهرب من المادي نحو المثالي أو اللامادي وكأن التمترس بين الجسد والوعي في الثقافة الأصلية حالة مستهجنة بل علامة من علامات الخطر .. كلما تهترئ الثقافة الأصلية من الداخل ترتق نفسها من الداخل لأنها تجد الحل لكل خطأ الذي يتوافق مع منظومتها الإلزامية فمحاولة البحث عن حلّ من خارج المنظومة هي محاولة للنفي من الداخل نحو الخارج .
يتحرك الفرد في المجال الإجتماعي عبر ثنائية : الإخفاء والإظهار ويعتبر هذين الفعلين بمثابة مسافة إجتماعية تضمن للفرد حرية التنقل في الفضاء دون عراقيل في التواصل مع الآخر الذي يمثل له حصانة إجتماعية فكل فرد منّا في البنية الإجتماعية هو حامل للقيم التوافقية ومجرّد التواصل معه هو تواصل مع المجتمع وقيمه .. أنا موجود لأنّ الآخر يعترف بوجودي بل ويضمن وجودي .

ربّما تمثل شهادة الآخر في حقّ الآخر بطاقة عبور بل كينونة في المجتمع فكلّما رفض الفرد من الأفراد شركائه في المجال الإجتماعي هو عبارة عن موت ضمني له ولو كان على قيد الحياة .. رغم محاولة الكثير منّا البحث عن الخلاص الفردي الذي ينشده من خلال الدراسة والعمل والزواج إلاّ أنّه قبل أن يحقق خلاصه الفردي يجب أن يمرّ من خلاصه من الجماعة التي ستزكيه وتبارك خلاصه الفردي ..
بعد ظهور الشبكات الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية حقق الفرد نوعا من التناغم بين أفكاره التي لا يستطيع التعبير عنها في الخارج وبين رغبته في الإفصاح عنها حتى يمررها لغيره أو يكتشف من يدعمها ويساندها في الآخر عكس الآخر الذي صدرّه المجتمع الرسمي في الواجهة لأنّه على مقاييسه ومعاييره التي لا يستطيع الخروج عنها .

نستطيع القول أنّ هذه الشبكات الإجتماعية كالتويتر والفيسبوك وغيرها قد حققت نوعا من الهوية الإجتماعية التي فقدها الفرد في مجتمعه الأمّ مما ولدّ حالة إغتراب وإنفصام أو إنفصال عن المجتمع التقليدي فكانت الشبكات الإجتماعية ملاذ البعض لتحقيق الكينونة الضائعة أو المسحوقة في الخارج فعلى سبيل المثال تصبح كلّ الأفكار نسبية لا تخضع لسلطة الثابت أو المقدس قابلة للنقد والتحاور وتصبح فكرة الفرد المختلف فكرة مقبولة لدى البعض ومستهجنة لدى البعض الآخر وهو ما يفتقده في مجتمع الخارج الذي يمارس الإقصاء الكلي لكلّ إختلاف ضمن تقييمات إجتماعية صارمة ذات صبغة إلزامية لا يجب الخروج عنها وكأنّ رفضها هو رفض للمجتمع أستحضر في هذا السياق عبارة " داخل كلّ فرد يسكن مجتمع"   .  

المتأمل في صفحات الفيسبوك لعديد الأصدقاء يرى تنوعا رهيبا بين أبناء الوطن الواحد مما يطيح بمقولة أن المجتمع  العربي بصفة عامة و التونسي  بصفة خاصة عبارة عن كتلة متجانسة في الثقافة والأفكار والتقاليد فقد عرّى الفيسبوك على سبيل المثال هذه الحقيقة العارية من الصحة لنقف مطولا على أننّا مجتمعات صغيرة تسكن هذا المجتمع وأنّ الثقافة الرسمية لا تلزم أحدا سوى النظام الرسمي الذي يحاول الإبقاء عليها رغم إهترائها .
نلاحظ أنّ الشبكات الإجتماعية لعبت دور طقوس العبور في حيوات بعض الأفراد منّا :
من الواقع الرافض إلى الواقع القابل
من الوحدة والإقصاء إلى التشارك والمشاركة
ومن التأثر إلى التأثير

لا ننسى أنّ هذه الشبكات لعبت دورا أساسيا في تعرية الأصوليين وزيف خطابهم فيما يخص العيش المشترك والمساواة إذ لا ننسى الحملة التي قامت بها بعض الصفحات الرجعية ضدّ الشهيد شكري بلعيد والحقيقة فقد إنتهى شكري على الإفتراضي قبل الواقعي فلم تكن رصاصات الغدر سوى ترجمة لكلمات التكفير والإتهام بالرّدة .

يمكن إعادة القراءة في الثقافة الرسمية إنطلاقا من عيّنات على الشبكات الإجتماعية وما تمثله هذه الثقافة من ثقل نفسي يكبل الفرد ويمنعه من التحرر  فالإفتراضي شقيق الواقعي حتى وإن تملص البعض من هذه الحقيقة .

كتبت خولة الفرشيشي  

اقرأ المزيد Résuméabuiyad

من تمنطق ... فقد تزندق ودمه حلال


 الإهداء إلى صديقي معتقل الرأي رائف بدوي بالسجون السعودية

من تمنطق فقد تزندق عبارة شهيرة للإمام الغزالي تحيلنا على أنّ محاولة النقد وإعادة القراءة في النص الديني هي محاولة كفر وخروج عن الدين .
 عرفنا مفهوم الزندقة في أولى تجارب صدر الإسلام حيث أطلق على من حارب الدولة العباسية أو عارضها بالزنادقة ثم إتخذت هذه التسمية أبعادا أخرى لترتبط بالإلحاد والكفر أو بأصحاب البدع كالشعراء الذين عرفوا المجون والسكر والعربدة أو بالمفكرين الذين ناهضوا الفكر الجامد وحاولوا تطويره .

قتل الكثير بتهمة الزندقة .. تهمة زئبقية تقطع رأسا لأنّها فكرت وجاهرت برأيها , وقد عرف التاريخ العربي الإسلامي ديوانا للزنادقة خصص لملاحقة كلّ زنديق إن لم يتب وتراجع عن أفكاره وقد أسسه الخليفة الخلفاء العباسيين المهدي( 746- 785)  وقد قتل على يد الخليفة المهدي الشاعر الكبير بشار بن برد بتهمة الزندقة بعد مجاهرته بكثير من الآراء التي تخالف السنة مما أثبت عليه التهمة فقتل علنا والحقيقة أن مقتل بشار بن برد كان من أجل موقف سياسي هجا في أحد قصائده يعقوب بن داود وزير المهدي فدبر له مكيدة قتله بتهمة الكفر والزندقة .

هذا وقد قتل عبد الله بن المفقع أشهر المفكرين في العهد العباسي على يد والد المهدي الخليفة المنصور بنفس التهمة الزندقة ويقال أن كتابه الأمان هو سبب مقتله .
عرفت الدولة العباسية ما يشبه محاكم التفتيش في شأن ملاحقة الزنادقة وقتلهم وإحراق كتبهم خاصة في السنوات 163 هـ إلى سنة 170 هــ اخر سنوات الخليفة المهدي الذي ترك وصية من بعده لابنه "موسى الهادي"  تحثّ على التنكيل بهم وقتلهم مؤكدا على شرعية ما فعله وما سيفعله إبنه في المستقبل فهم خطر على الإسلام والأخلاق .
بعد ديوان الزنادقة في صدر الإسلام رمي بعض المثقفين العرب بتهمة الزندقة في السنوات الماضية كالروائي نجيب محفوظ والمفكر الجزائري محمد أركون والشاعر السوري أدونيس والمفكر المصري حسن حنفي  وغيرهم وقد حرض ضدّهم الأصوليين لقتلهم بعد تكفيرهم وإتهامهم بالزندقة والتحريض ضدّ الإسلام وتشويهه .

في هذا الإطار نستحضر حادثة مقتل المفكر المصري فرج فودة بعد تكفيره الذي تعتبر وجها من أوجه تعريف الزندقة :   اغتيل فرج فودة  على يد أحد المتطرفين الإسلاميين بعد تحريض جبهة علماء الازهر ضده و اتهامه بالردة و وجوب قتله في بيان لها في جريدة النور سنة 1992 و قد كان الشيخ عمر عبد الرحمن صاحب فتوى القتل و يوم 8 جوان 1992 قتل فرج فودة على يد قاتله الذي سأله القاضي أثناء المحاكمة  لماذا قتلته فأجاب لأنّه كافر فأعاد القاضي سؤاله من أيّ كتاب عرفت أنّه كافر ليجيب القاتل من جديد أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة .

في سنة 2013 سمعنا بحالات إتهمت بالزندقة التي إتخذت مفهوما جديدا الإساءة للدين الإسلامي كالتهمة التي وجهت لرائف بدوي أحد معتقلي الرأي بالسجون السعودية وأحد المؤسسين "موقع ليبراليون سعوديون" والذي هاجم رائف بدوي في أحد مقالاته المؤسسة السلفية هيئة الأمر بالمعروف النهي على المنكر بشكل لم تستسغه المؤسسة الدينية في المملكة السعودية فوجهت له تهمة الإساءة الى الدين الإسلامي ليحاكم بسبع سنوات سجنا والجلد 600 جلدة في واقع جديد ينتفض من أجل حقوق الإنسان ولكن يحدث أن يحاكم شخصا لمجرد الإدلاء برأيه بسلمية ودون أن يستعمل العنف .

وقبلها حوكم حمزة كشغري كاتب سعودي سنة 2012 بتهمة الإساءة إلى الرسول وتجاوز كلّ الخطوط الحمراء بعد نشره نصا يتحدث فيه عن الرسول  وقد أعلنت المحكمة السعودية في 5 مارس بإستتابة حمزة كشغري لتطلق سراحه في 30 أكتوبر 2013 .


نشير إلى أنّ أحد الأصوليين المصريين الدكتور "هاني السباعي"  كتب كتيبا صغيرا شهر ببعض المثقفين العرب وإعتبرهم زنادقة محرضا ضدّهم للنيل منهم والطريف هنا يقيم الدكتور السباعي بلندن العلمانية والتي تنطلق منها دعوات القتل والترهيب  .

سؤال وأنهي : هل يمكن أن نشرع قتل أحدهم لأنه إختلف عن  فكر المجموعة ومبادئها  أليس الإيمان بالحرية تكفل الإيمان بحرية الآخر في التعبير وضمان سلامته طالما أنّه لم يمارس العنف المادي واللفظي تجاه فرد أو مجموعة .. ؟

كتبت : خولة الفرشيشي 




اقرأ المزيد Résuméabuiyad