الاستاذ عادل المباركي محامي شاب محرز على شهادة الدراسات المعقمة في القانون العام و باحث ايضا قام بعديد المحاضرات في مختلف الفضاءات الحقوقية و النقابية : منظمة العفو الدولية و اتحاد الشغل و جمعية القانون الاداري تعرض الى العنف و القمع في العهد السابق نتيجة مواقفه السياسية في قمة المعلومات 2005 و قد اضطر الى الاستقالة من عمله بوزارة املاك الدولة بعد مقايضته االانتماء الى الحزب الحاكم او الاستقالة من عمله و التحق بسلك المحاماة سنة2003 .
اختار الاستاذ عادل المباركي تقييم المرحلة التي تعيشها تونس بعد 14 جانفي بعيدا عن التنظم الحزبي او الظهور الاعلامي المكثف رغم عمق درايته بالواقع السياسي لكنه اثر الابتعاد ..له اراء صارمة ربما تثير غضب البعض و استهجانه و ترحيب البعض الاخر من تحليلاته للواقع التونسي ان ما عاشته تونس بعد 14 جانفي يقبع بين هلالين : هلال ثورة و هلال انقلاب ....
توصيف لم نسمع به من قبل يغرق في التحليل و الترميز السياسي بعيدا عن رمزية الادب و شاعريته .
حول الاحداث الاخيرة و ما عاشته و لاية سيدي بوزيد ليلة 18 جويلية من قتل لثلاثة شبان برصاص الجيش الوطني على خلفية مظاهرات كان لنا هذا اللقاء مع الاستاذ عادل المباركي :
_ هل تعتبر ان خلع بن علي بعد احداث 17 ديسمبر و 14 جانفي هو ثورة شعبية ضد ديكتاتورية النظام السابق ؟
ج _ هي اولا ثورة على ظلم النظام الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي الذي امتد منذ 1955 الى غاية اليوم" 18 جويلية 2011"موعد هذا اللقاء بمعنى ان الثورة لم تكتمل بعد بل ماتزال مستمرة .
و بالنسبة لمصطلح ثورة اعتبر ان تونس كانت في حالة نضج ثوري منذ ما قبل 17 ديسمبر 2010 الا انه و في غياب الأداة الثورية التي تقود الفعل الثوري فإن الثورة التونسية " ثورة تونس العربية " لانها كانت مثالا استلهمتها الشعوب العربية خاصة في مصر و كانت بمثابة إزالة حاجز الخوف لدي الشعوب العربية فإن الثورة التونسية قد انفجرت بدون توفر شرط الاداة الثورية التنظيمية و هذا لا يعني علميا ان الفعل الثوري كان تلقائيا لان استمراره و لمدة تزيد عن شهر تنزع عنه صفة التلقائية ...للثورة اباء و أمهات و أجداد في المجتمع التونسي .
س_ في مداخلتك الأخيرة فرقت بين تاريخين 17 ديسمبر و 14 جانفي على مستوى ردة فعل الاحزاب و على مستوى الخطاب السياسي فعهل شرحت لنا الإختلاف القائم بين التاريخين ؟
ج _ قبل 17 ديسمبر لم يكن أيّ حزب سياسي سواء معترف به أو طالبا للتأشيرة أو منظما و لم تكن جميع أطياف المجتمع المدني تطرح طرحا ثوريا بأتم معنى الكلمة أي القطع جذريا مع النظام القائم بجميع مكوناته بل و إلى تاريخ قريب من 17 ديسمبر كان هؤلاء يريدون فقط بعض الاصلاحات مما يعني أنهم قابلين للنظام و منذ 17 ديسمبر ظهر أن صوت هؤلاء كان نشازا أمام صوت الجماهير التي خرجت تطالب القطع مع النظام الاجتماعي و الاقتصادي ...
_ قاطعته مما يعني ان الثورة ذات مضمون إجتماعي لا سياسي بحت ؟
ج_ بدأت الثورة كردّة فعل على الإستغلال الذي جسدّه النظام الإقتصادي و الاجتماعي الذي هو في نهاية الامر نتاج خيارات سياسية و أذكرك أني اسلفت لم تكن هناك أداة سياسية لتقود الفعل الثوري و تطرح البدائل على النظام القائم و بالتالي كان من المعقول أن تهيمن الشعارات و المطالب الإجتماعية للتحركات الأولى للثورة " التشغيل إستحقاق يا عصابة السراق " و "لا لا للطرابلسية الي سرقوا الميزانية " و إلى حدود 14 جانفي لم تكن الأحزاب السياسية بجميع أنواعها و مكونات المجتمع المدني تراهن على الفعل الثوري و دليلنا في ذلك أنه في الليلة الفاصلة بين 13 و 14 و بعد الخطاب البورقيبي لبن علي الذي استمده من أحداث الخبز 1984 هرع الجميع إلى بلاتوات كاكتوس و ساندوا انذاك الخطاب وراهنوا عليه في الاصلاح و نستنتج من ذلك أن الافق السياسي لتلك الأحزاب كان الإصلاح و كان يتمثل في الاصلاحات السياسية في حين كان أفق الثورة التونسية التي تقودها الجماهير مختلف تماما و لم نعثر في خطاب بن علي إليه أنه كان متجها إلى الجماهير بقدر ما كان متجها إلى مكونات المجتمع المدني فلئن أرضى هذا الخطاب تلك الأحزاب و المكونات فإنه لم يرضي تلك الجماهير التي خرجت يوم 14 جانفي ورددت شعارها الشهير " الشعب يريد اسقاط النظام " مما يعني انّ الجماهير قالت كلمتها بشأن ذاك الخطاب الذي جاء متخلفا عن أفق فعلها الثوري و هنا بدأت ترتسم ملامح هلال إنقلابي و هلال ثوري قبل هروب بن علي .
س _ هناك ملاحظة على هامش إجابتك الأخيرة هل من تحليل موضوعي حول ردّة فعل المجتمع المدني الرسمي بعد 14 جانفي الذي حاول تكوين شرعية ثورية لقيادة الثورة نحو بر الامان خاصة و أنّك لمحت بأن تونس تشهد إلى اليوم هلال ثورة ..هلال إنقلاب فهل تدعي بأنّ النخب السياسية التي تشارك إلى اليوم سواء في دعم الحكومة أو رفضها هي تدعم مسار الإنقلاب لا الثورة ؟
ج _ المفارقة في الثورة التونسية هو التالي هو أن التاريخ لم يشهد ثورة بقي فيها الوزير الاول و رئيس مجلس النواب يقودان الحكومة التي هي من المفترض أن تكون منبثقة و معبرة عن الثورة .
المفارقة الثانية أن التاريخ لم يشهد ثورة جديرة بهذا الإسم تخاصم فيها الفقهاء و رجال الدولة على فصلين "56" و " 57" من دستور النظام الذي من النفترض أن تكون الثورة قد قطعت معه .
المفارقة الثالثة هو أن التاريخ لم يشهد فيها استمرار بعض الأحزاب السياسية المكونة وفق النظام السابق و التي من المفترض ان تكون جزء من النظام المطلوب تغييره جذريا .
المفارقة الرابعة أن التاريخ لم يشهد إستمرار القوانين و التراتيب التي يقوم عليها النظام المنهار و من المفترض أن تتم بها الإطاحة بها كمجرد سقوط دستور النظام الذي قامت الثورة باسقاطه .
هذه الخصوصيات الغريبة عن المنطق الثوري تقف وراء الصراع بين الشق الانقلابي و الشق الثوري إذ نلاحظ أن هذه الاحزاب إستمرت في المطالبة بالإصلاح السياسي مع حكومة الغنوشي متبنية نفس الطروحات التي قدمها الرئيس المخلوع و المتمثلة في تكوين ثلاث لجان إصلاحية و هذا يعني أن تلك الكيانات و الأحزاب السياسية و مكونات المجتمع المدني الرسمية كانت منفصلة تماما عن الثورة و كانت للشعب كلمة أخرى عبر عنها في إعتصامه بالقصبة 2 رغم الإصلاحات التي أجراها الغنوشي داخل الحكومة الذي طالب بالقطع نهائيا مع النظام السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي بفرضه مطلب المجلس التأسيسي و لك هنا أن تعرفي كيف أن الغنوشي و بمجرد إستقالة حكومته قد أصدح أنه يريد مجلس تأسيسي إذ نلاحظ أن المواقع السياسية تملى على السياسيين في تونس خياراتهم و ليس إلتحامهم بالجماهير و فهمهم للواقع لذلك إختلف موقف الغنوشي لما كان في السلطة عن موقفها خارجها و نتصور هنا أن الإنتقال في تونس ليس بمنأى عن التدخلات الأجنبية فرئيس الحكومة لم يكن حرا في الحكومة و تحرر لما خرج منها .
و في المقابل لاحظنا أن البعض لم يتحرر حتى لما خرج من الحكومة و بقي مستجيبا لإملاءات خارجية " راجع تصريحات الشابي و حمد بن ابراهيم بعد استقالتهما من الحكومة " و هنا و بعد قدوم حكومة الباجي القايد السبسي مستجيبة لمبدأ المجلس التأسيسي لاحظنا أنه لم يرافق ذلك تغير في أدوات العمل و خططه إذ اسندت مهمة الرئاسة الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة و الانتقال الديمقراطي و الاصلاح السياسي إلى من كان رئيسا للجنة الإصلاح السياسي عياض بن عاشور و تم تعيين أعضائها من خارج الفعل الثوري و من من لم يطالبوا باسقاط النظام فكانت نسخة مشوهة لما يمكن ان يكون مجلس حماية ثورة جدير بهذا الاسم و تم الابقاء على اللجنتين الاخريين دون تغيير و هكذا انفصل جواب الحكومة عن مطالب الجماهير و اصبحنا في مسارين مختلفين مسار ثوري و مسار انقلابي ممثل هذه المرة في الحكومة و هيئة تحقيق الثورة .
و نلاحظ أيضا انه قد وقع السطو على الثورة مرة أخرى بتبني مطالب الجماهير المعتصمة في القصبة 2 تبنيها على مستوى الخطاب الرسمي للحكومة و التنكر لها فعليا فتحولت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة الى شبه مجلس تاسيسي متجاوزة بذلك حدودها التي رسمها لها اعتصام القصبة 2 أما الحكومة فقد باتت منفلتة من كل رقابة و لم تكن لها استراتيجية واضحة و تنكرت للمطالب الاجتماعية و الاقتصادية التي رفعتها الثورة و لم تتقدم فيها شبرا واحدا فمازالت القوى الاقتصادية المستفيدة من عهد بن علي تتحكم في كل المسارات و لم يقع محاسبتها على الامتيازات التي حظيت في ظل نظام بن علي الاقتصادي و الاجتماعي و خاصة برامج تأهيل الاقتصاد و الشراكة مع الاتحاد الاروبي و التهرب من الجباية و التحيل الجبائي و الاعفاءات و استغلا لها للعمال و نهبها لاملاك الدولة و الثروات و بقي قطاع الاعلام على حالة أداة في يد الحكومة .
و انبرت الحكومة تقايض الثورة بالاستقرار الاقتصادي و الامن غير أنه و عندما يكون الانفلات سياسيا فالانفلات الامني يكون امرا محتما لان رحيل الامن يحافظ على الامن الذي تصنعه السياسة فحكومة السبسي لم تصنع أمنا حتى تحافظ عليه لذلك حصل ان اعتذرت حكومته مرتين على التجاوزات الامنية و ذلك دليل على ان سياسة هذه الحكومة لا تصنع امنا و انما انقلبت الى حكومة استبدادية قمعية تواجه كل من يعارضها بالحديد و النار و هو ما ال اليه الوضع أخيرا في سيدي بوزيد .
س _ على ذكر أحداث سيدي بوزيد الاخيرة و يروز الدعوة الى اعتصام القصبة 3 هل ترى في هذا الاعتصام اعتصاما حزبيا فئويا لخدمة اطراف سياسية او اعتصام وطني لاكمال الثورة و اقتلاع جذور الديكتاتورية ؟
ج _من الثابت ان الالتفاف على الثورة بواسطة حكومة السبسي أمرا واقعا تؤكدة المعطيات التي سبق ان ذكرتها و هو ما حدا بالبعض الى الدعوة الى اعتصام المصير و قبله شهدنا العديد من التحركات ضد الحكومة العاجزة عن تحقيق مطالب الثورة كما ان بعض التسريبات و التي اكدت تطورات الاحداث صدقها جعلت الشارع ينتفض كما ان اداء الهيئة العليا كان مخيبا للامال سواء من حيث تركيبتها و الاشخاص الذين برزوا فيها او من خلال طرق عملها ( طريقة الاقتراع على القوائم و التي لا تنسجم اكثر مع انتخابات المجلس التاسيسي و كذلك 50 بالمئة نساء و الحال بان البعض طالب باقتراع على على الافراد او 50 بالمئة شباب و استدامة الهيئة لعملها بدون أي مبرر فاصبحت تشرع دون ان يكون لها تفويض من الشعب يمكن ان تستند اليها شرعيتها ثم كانت مسالة التطبيع و تجريمه من عدمه و ما أخذه من حيز زمني من نقاشات لا يستحقها لان الامر يبدو بديهيا فالتطبيع جريمة و لا اعتقد انه من الصعب نسبة هذا الموقف للشعب التونسي كل ذلك ينذر بانفجار للوضع فموقف الاعتصام وبغض النظر عمن طالب به هو موقف صحيح يؤكده تشارك العديد من الاطياف السياسية و لكن باختلاف التفاصيل اعتصام المصير و اعتصام القصبة و عودة معتصمي القصبة 2 فموقف الاعتصام هو الموقف الثوري التقدمي امام ما تقوم به الحكومة و الهيئة من انقلاب على المطالب الجماهيرية من خلال ضبط قواعد اللعبة قبل الانتخابات و ربما التراجع عن خيار المجلس التاسيسي اذ ثبت ان هذه الهياكل ليست هياكل وقتية و انتقالية بل هي تامرية تسعى الى افراغ الثورة من محتواها و هذا ما ادركه العديد و حذر منه من ليس له أي علاقة بالاعتصامات و اغلبهم من فقهاء القانون فالمشكلة الحقيقية واقعية و الاشتباك معها سيكون ثوريا حتما , لان الحكومة الحالية توغل في القمع و الترهيب و الظلم في ظرف متفجر و هي بذلك تلعب لعبة خطيرة ستترتب عنها نتائج كارثية إذ يمكن أن يؤدي ذلك بالمساس بالوحدة الوطنية أو خروج الثورة عن طابعها السلمي الذي حافظت عليه إلى اليوم و لا أراها تقبل أن تدفع ثمن سلميتها و تحضرها وجودها ذاته و سنرى كيف سيحسم الصراع بين الثورة و الانقلاب.
جويلية 2011